تقرير: 72 مليون شخص مهددون بالفقر في أوروبا خلال 2025

تقرير: 72 مليون شخص مهددون بالفقر في أوروبا خلال 2025
علم الاتحاد الأوروبي - أرشيف

أظهر تقرير أوروبي حديث واقعًا اجتماعيًا مقلقًا داخل الاتحاد الأوروبي، بعدما كشف أن أكثر من 72 مليون شخص، أي 16.2% من السكان، باتوا مصنّفين ضمن الفئات "المعرّضة لخطر الفقر" في عام 2025. 

وتسلّط هذه الأرقام الضوء على تزايد هشاشة الفئات الضعيفة، واتساع الهوة بين مستويات الدخل في دول القارة، رغم التصور الشائع بأن أوروبا تشكّل منطقة استقرار اقتصادي واجتماعي، بحسب ما ذكرت وكالة أنباء الشرق الأوسط، اليوم الأحد.

ووفقًا لتقرير مكتب الإحصاء الأوروبي (يوروستات)، فإن الفقر داخل الاتحاد ليس مفهومًا مطلقًا، بل يعتمد على مقياس نسبي يرتبط بالدخل الوطني داخل كل دولة. ويُعرَّف "التعرض لخطر الفقر" بأنه حصول الفرد على دخل يقل عن 60% من متوسط الدخل في بلده، وهو مؤشر يعكس مدى التفاوت الداخلي أكثر من كونه قياسًا لمستوى المعيشة الفعلي.

ويكشف التقرير أن متوسط الدخل السنوي المعدّل للفرد في الاتحاد الأوروبي بلغ 21,582 يورو، ما يجعل 12,949 يورو سنويًا (أو 1,079 شهريًا) خط الفقر الأوروبي العام.

لكن هذه الصورة العامة تخفي خلفها فجوات هائلة: إذ يتراوح خط الفقر بين 391 يورو فقط في بلغاريا، وصولًا إلى 2,540 يورو في لوكسمبورغ. أما عند إضافة دول أخرى من خارج الاتحاد مثل تركيا وسويسرا، فتزداد الهوة وضوحًا، ليتراوح خط الفقر بين 201 يورو في تركيا و2,596 يورو في سويسرا.

فجوة اقتصادية تتسع

توضح بيانات يوروستات أن حدود الدخل اللازمة لتفادي الفقر تكشف الفوارق العميقة بين شرق القارة وغربها، ففي الدول ذات الاقتصادات المتقدمة -مثل الدنمارك والنمسا وإيرلندا وهولندا وبلجيكا- تتراوح حدود الفقر بين 1,500 و2,000 يورو شهريًا.

أما دول جنوب وشرق أوروبا، ومنها اليونان وسلوفاكيا وبولندا وكرواتيا والبرتغال، فتسجل خطوط فقر أدنى بكثير، تقل عن 750 يورو شهريًا، وفي دول مثل المجر ورومانيا وبلغاريا وتركيا، تهبط هذه الحدود إلى ما دون 500 يورو.

هذه الفوارق تعكس -كما تقول الباحثة في منظمة العمل الدولية جوليا دي لاتزاري- اختلافات هيكلية في الإنتاجية وتنوع القطاعات الاقتصادية، حيث تؤدي هيمنة قطاعات عالية القيمة مثل التكنولوجيا والتمويل والصناعات المتقدمة إلى رفع الأجور في دول معينة، بينما يبقى النمو ضعيفًا في دول تعتمد على قطاعات منخفضة العائد.

"القوة الشرائية" تقلّص الهوة

وعند قياس مستويات المعيشة وفق معيار القوة الشرائية، تبدو الفجوة أقل اتساعًا، لكنها لا تختفي. إذ تتراوح حدود الفقر من 449 وحدة قوة شرائية في صربيا إلى 1,889 وحدة في لوكسمبورغ. 

ويظهر من هذا المؤشر أن بعض الدول التي تبدو فقيرة بالدخل الاسمي -مثل اليونان وتركيا وسلوفاكيا والمجر- تبقى الأقل قدرة على حماية سكانها من التدهور المعيشي، حتى بعد تعديل الأرقام وفق القوة الشرائية.

وبحسب بيانات يوروستات، بلغ معدل التعرض لخطر الفقر في عام 2024 نسبة 16.2% داخل الاتحاد الأوروبي. وتتراوح المعدلات بين 9.5% فقط في التشيك -الدولة الأفضل أداءً- وصولًا إلى 22.2% في تركيا ومقدونيا الشمالية.

أما بين الاقتصادات الأوروبية الكبرى، فتظهر الصورة كما يلي:

إسبانيا: 19.7%- أعلى بكثير من المتوسط الأوروبي

إيطاليا: 18.9%

فرنسا: 15.9%

ألمانيا: 15.5%

وهذا يعني أنه حتى الاقتصادات القوية مثل ألمانيا وفرنسا تواجه تحديات متزايدة في حماية الفئات الضعيفة، رغم قوة النمو الاقتصادي العام.

الحياة الأسرية تحت الضغط

وبالنسبة لأسرة مكوّنة من شخصين بالغين وطفلين دون 14 عامًا، يرتفع خط الفقر إلى 2.1 ضعف خط الفقر للفرد الواحد، ليبلغ: 2,266 يورو شهريًا في الاتحاد الأوروبي، و423 يورو في تركيا، و5,452 يورو في سويسرا.

وتشير هذه الأرقام إلى أن الأسر الأوروبية -خصوصًا من ذوي الدخل المحدود- تواجه مستويات معيشية شديدة التعقيد، خاصةً مع ارتفاع تكاليف السكن والطاقة والغذاء في السنوات الأخيرة.

ويرى خبراء اجتماع أن استمرار هذا التفاوت الحاد داخل أوروبا يعمّق الإحساس بعدم العدالة الاقتصادية، ويهدد مفهوم "الوحدة الاجتماعية الأوروبية".

ورغم أن الاتحاد الأوروبي يمثل أحد أكبر الاقتصادات العالمية، فإن اتساع فجوة الدخل وتزايد عدد المعرضين للفقر يطرحان أسئلة حقيقية حول نماذج العدالة الاجتماعية وفعالية سياسات الحماية.

وما لم تتجه الدول الأوروبية إلى إصلاحات جذرية في سياسات الأجور والحماية الاجتماعية والدعم المعيشي، فقد يتحول "الفقر النسبي" إلى أزمة اجتماعية عابرة للحدود، تهدد أحد أهم أسس المشروع الأوروبي: المساواة في الفرص داخل القارة.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية